الشيخ حسين إسماعيل : ثقافة الحياة ما بعد الموت مدرسة في تهذيب النفس

يقول الله تعالى : ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) ) [ الواقعة: ٨٣ – ٨٧].
الحياة الروحية في الإسلام
تنقسم حياة الإنسان إلى قسمين: حياة روحية وحياة مادية، وهذا التقسيم نابع من كون الإنسان عبارة عن روح وجسد، وتشكل الروح الأصل بينما الجسد هو مثل الثوب الذي تلبسه الروح في هذه الحياة الدنيا، وتبقى لابسة له إلى أن يحل الأجل الذي يفرض عليها خلع هذا الثوب المادي وتركه في الدنيا.
وحياة الروح تختلف عن حياة الجسد إلَّا أن الله ربط بينهما وجعل بينهما وحدة، حيث يشعر الإنسان بأنهما واحد لكن في الحقيقة هما اثنان، ثم إنه من ناحية ثانية هناك متطلبات للجسد هي أساس قوامه وحياته من الطعام والشراب والملبس والمسكن والدواء، وهناك متطلبات للروح هي أساس استقامتها من العلم والمعرفة والإيمان والأخلاق المستقيمة، وجعل الله الملذات المادية ملذات تأنس بها الروح لكن الله تعالى وازن بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسد دون ترجيح أحدهما على الآخر، فهناك ما يصلح الجسد وهناك ما يفسده، كما أن هناك ما يصلح الروح وهناك ما يفسدها، فالطعام الطيب فيه صلاح للجسد كما أن الطعام الفاسد فيه أضرار له، وهناك أيضاً ما يصلح للروح كالمبادىء الأخلاقية والإيمانية، وهناك ما يضر بها كالثقافات المنحرفة والفاسدة.
والإنسان البصير والمؤمن هو الذي يلتفت دائماً إلى روحه ويحاول أن يهذبها ويزكيها من دون أن يهمل المتطلبات الجسدية، وكلما استذكر الإنسان حياته الروحية وأن كمالها مصدر سعادته، وخاصة من خلال العبودية والطاعة لله تعالى اندفع نحو خط الاستقامة في حياته، بينما الإنسان الذي يعيش منغمساً في الملذات وينسى الاهتمام بتربية روحه وتهذيبها فإنه يكون أكثر اندفاعاً نحو السير في خط الانحراف والفساد في هذه الدنيا.
والإسلام حثّ الناس على الثقافة الروحية وحرص على تذكيرهم بأن الإنسان روح وجسد وليس جسداً بلا روح، والإنسان حينما يتعرف إلى روحه يتعرف إلى ربه، لذا كانت معرفة الروح والاطلاع على أحوالها ونشأتها مصدراً من مصادر المعرفة لله تعالى. والله تعالى تعرض في كتابه المنزل على نبيه محمد بن عبد الله (ص) إلى ذكر الروح في كثير من الآيات، منها الآيات المتقدمة من سورة الواقعة الشريفة.
حقيقة الموت وانفصال الروح عن الجسد
ليس من إنسان إلَّا ويهاب الموت ويعشق الحياة ويعتبر انها تمثل كيانه ووجوده، فيحسب أنَّ الموت هو عدم له وأن حياته الدنيوية تمثل الوجود الحقيقي له. وليس هناك من أحد يحب أن يتخلى عن هذا الوجود الدنيوي ويرغب في الموت، ولكن نجد انه كلما تعمق الإنسان بثقافة الروح ضعف حبه للحياة الدنيوية، بينما الذين لا يملكون هكذا ثقافة فإنهم أكثر تمسكاً بحياتهم الدنيوية وهم يهربون من فكرة الموت. ولكن هذا هروب من الواقع والحقيقة، وعدم التفكير بالموت لا يطيل عمر الإنسان، كما أن ذكر الموت لا يقصر عمره. والمقصود بالموت في الإسلام هو انفصال الروح عن الجسد وخروجها من عالم الدنيا الذي سكنته فترةً من الزمن وارتبطت مشاعرها وأحاسيسها به، لذا لا بُدَّ للإنسان المؤمن كما حثّ الإسلام أن يكون أكثر جدِّية في التعاطي مع قضية الموت الذي لا مفر منه ولا مهرب، وعليه أن يعتبر أن وجوده في الدنيا هو مؤقت بينما حياته الحقيقية هي في خروجه من هذه الدنيا إلى الحياة الخالدة ما بعد الموت.
والله تعالى تحدث في الآيات المتقدمة عن الروح أثناء احتضار الإنسان، قال تعالى: ( فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) ) الحديث في هذه الآيات هو وصف لخروج الروح من الجسد، وتقول الآية الأولى: ( إِذَا بَلَغَتِ (الروح) الْحُلْقُومَ ) في إشارة إلى خروج الروح من الجسد عندما تصل إلى الحلقوم، وكأن عملية خروج الروح من الجسد تحصل بشكل متدرِّج تبدأ بالقدمين وتنتهي بالحلقوم وعليه فتكون الروح كائناً متداخلاً مع كل أعضاء الجسد بقدرة الله تعالى.
ثم في الآية الثانية إشارة إلى الأهل والأصحاب والأولاد الذين يقفون حول المحتضر وينظرون إليه ويترقبون خروج روحه من جسده، ولا شك في أن مشهد المحتضر يرهب الناظرين إليه، ويحسب الناظر أنه هو الذي يحتضر، لأنه يعلم أنه سيمرّ بالعملية نفسها التي لا مفرّ منها في المستقبل الآتي، فسنّة الموت مكتوبة على الجميع والإنسان مهما حصل على الملك والقوة والعلم والجاه فإنه لا يستطيع أن يقاوم الأجل إذا حضر، كما لا تستطيع قوة في الوجود أن توقف عملية الاحتضار إلَّا قوة الله تعالى الذي بيده الحياة والممات، لذا قال تعالى: ( وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ) . نعم فالله تعالى أقرب إلى روح المحتضر من الأحياء، وليس الاحتضار إلَّا استجابة لإِرادة الله تعالى ومشيئته.
ثم إن روح المحتضر تعيش ألماً وخوفاً وحزناً شديداً على مغادرتها للجسد، ويعزّ عليها مفارقة الأهل والأولاد والأصحاب والأموال، ولو عاد الأمر إليه لرفض هذه المغادرة ولكن الأمر يعود إلى الله تعالى. ثم إن عملية الاحتضار تختلف بين إنسان وآخر فالإنسان المؤمن الذي استعد في دنياه لعملية الاحتضار واستعدّ للقاء ربه فإن احتضاره يكون أسهل من احتضار الذين لم يستعدّوا وكان إيمانهم بالله ضعيفاً.
وعملية خروج الروح من الجسد يترتّب عليها آلامٌ وأوجاع لروح المحتضر لكن الأحياء لا يدركون ذلك، لذا قال تعالى: ( وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ) تماماً مثل النائم الذي يرى في نومه رؤية تفزعه فيمتلئُ قلبه خوفاً منها، فالمشاهد له يحسب النائم في غاية الراحة والطمأنينة لكن الواقع خلاف ذلك، ولو كان يدرك أن النائم يعيش رعباً وخوفاً لأيقظه، وهكذا بالنسبة لروح المحتضر فإن الأهل والأصحاب والأولاد لا يستطيعون أن يشاهدوا ما يحصل للميت من آلام وجزع وأهوال.
وهناك ملائكة تقوم بعملية نزع الروح من الجسد، ولو ان الله تعالى أطلع الأحياء على عملية قبض الروح لما كان في قدرة أحد تحمل ذلك، لكن الله تعالى حدثنا عن ذلك من خلال كتبه المنزلة، ومن خلال الأنبياء صلوات الله عليهم، وأخبرنا تعالى أنه يساعد الإنسان على عملية تسهيل قبض روحه فيما لو أحسن إيمانه بالله تعالى في الحياة الدنيا وطاعته له تعالى.
الله تعالى مالك الحياة والممات
من يتفكر بالموت والحياة وكيف أنهما يخضعان لنظام محكم، فإنه يوقن بوجود قوة قاهرة تقف وراءهما وهي الله تعالى، فخالق الحياة هو نفسه خالق الموت والله يخبرنا عن عجز الإنسان في إبعاد الموت عن نفسه أو إيقاف عملية الاحتضار، قال تعالى: ( فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) ) لكن هيهات ذلك، والله تعالى يخاطب الكفار والمشركين الذين لا يؤمنون بالله ولا برسله وأنبيائه، هل أنتم قادرون على إيقاف عملية الاحتضار وإعادة روح الميت إلى الوضع الطبيعي الذي كانت عليه قبل الموت؟! فإنكم عاجزون عن إرجاع أرواحكم بعد الموت إلى الحياة، هل سألتم أنفسكم لماذا أنتم عاجزون؟ لأن أرواحكم هي بيد رب قاهر مهيمن عليها، هو من أوجدها في هذه الحياة وهو من يُنهي وجودها فيها، فروح الإنسان هي مُلك لخالقها لا مُلك لنفس الإنسان، ولو سأل الإنسان نفسه هل جاء إلى الدنيا بمحض اختياره؟
لكان الجواب بالنفي، فكما أنه ليس في قدرة الإنسان أن يتدخل في مجيئه إلى هذه الحياة، فإنه أيضاً ليس في قدرته أن يتدخل في إبعاد الموت عنه لأن مالك الحياة هو مالك الموت، وعندما يتأمل الإنسان حياة الذين رحلوا عن هذه الدنيا من الأصحاب والأقرباء وحياة الأمم البائدة، يجد أنه ليس من سنة حياة إلَّا ويعقبها سنة ممات وهما دليلان على وجود الله.
ونعود للحديث عن احتضار الإنسان عند موته، والذي هو احتضار وتهيؤ لخروج الروح من الجسد، فالحديث عن ذلك يُرغب الإنسان في الآخرة ويحثه على فعل الصالحات وترك المعاصي ثم يخبر الله تعالى في الآيات الأخيرة من سورة الواقعة، وهي تتمة للآيات المتقدمة، عن وجود اختلاف في عملية الاحتضار تختلف من إنسان لآخر. قال تعالى: ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) ) [ الواقِعَة: 88-96] تحدث الله تعالى عن ثلاث فئات من الناس يختلف احتضار بعضها عن بعض ونشير إلى هذه الفئات من خلال المحطات التالية:
الفئة الأولى وهم المقربون: وهم الذين تحدث الله تعالى عنهم فقال: ( فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) ) فالمقرّبون هم الذين أخلصوا لله في حياتهم فاستخلصهم الله تعالى لنفسه، والمقربون بلغوا أعلى درجات الإيمان والتقوى والعمل الصالح، وكان همهم في الحياة الدنيا تحقيق رضا الله تعالى وهذبوا انفسهم من كل ما يبعدهم عن العبودية له تعالى، والمقربون هم الأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم ومن أحسن التأسي بهم، والله تعالى أخبر عن المقربين اثناء احتضارهم، ماذا ينتظرهم من النعيم الإِلَهِيّ الذي أعده الله تعالى لهم.
فذكر تعالى أنه أعد لهم ثلاثة أمور تسعدهم وهي الرَوح والريحان وجنة نعيم، فالرَوح: هو ما يبعث على الراحة والطمأنينة ولعلّه إشارة إلى أن المقربين يتملكهم الخوف عند الموت من أن يلاقوا الله تعالى وهم مقصّرون في حقه لأنهم دائماً كانوا يتهمون انفسهم بالتقصير، فإنهم عند الاحتضار تبشرهم الملائكة برضا الله عنهم وأنهم قد نالوا المراتب العليا لديه ما يبعث ذلك على الراحة والاستقرار وهذا الأمر الأول. أما الريحان: فهو عبارة عن الشيء ذي العطر الحسن والزكي، وليس من المُستبعد أن المقرّبين في ساعة احتضارهم يشمّون رائحة الجنّة مما تسكن لها نفوسهم، فيشتاقون إلى لقاء الله تعالى ما يخفّف عنهم شدّة قبض أرواحهم وهذا الأمر الثاني. والأمر الثالث هو انه تعالى وعدهم بدخول جنة نعيم، ولعلّها جنة من جنات عالم البرزخ التي تختلف عن الجنات التي أعدّها الله لهم يوم القيامة، فإن المقرّبين في لحظة احتضارهم يرون الجنة ما قد يخفف عنهم ثقل الموت والاحتضار.
وفي حديث لرسول الله (ص) « إنّ أوّل ما يبشّر به المؤمن عند الوفاة بروح وريحان وجنّة نعيم، وإنّ أوّل ما يبشّر به المؤمن في قبره أن يقال له: أبشر برضا الله تعالى والجنّة قدمت خير مقدم، وقد غفر الله لمن يشيّعك إلى قبرك، وصدّق من شهد لك، واستجاب لمن استغفر لك» تفسير في ظلال القرآن ، ج 7، ص 547 .
وفي حديث آخر عن أمير المؤمنين (ع) أنّه قال: «إنّ ابن آدم إذا كان في آخر يوم من أيّام الدنيا وأوّل يوم من أيّام الآخرة، مَثُلَ له ماله وولده وعمله فيلتفت إلى عمله فيقول: والله إنّي كنت فيك لزاهداً، وإن كنت عليّ لثقيلاً، فماذا عندك؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك، ويوم نشرك حتّى أعرض أنا وأنت على ربّك، قال: فإن كان لله وليّاً أتاه أطيب الناس ريحاً، وأحسنهم منظراً، وأحسنهم رياشاً، فيقول: أبشر بروح وريحان، وجنّة نعيم، ومَقْدَمُكَ خيرُ مَقدَم، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح، ارتحل من الدنيا إلى الجنّة» نور الثقلين : ج 5 ص 228، حديث 106 .
الفئة الثانية وهم أصحاب اليمين: وإليهم أشار الله تعالى بقوله: ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) ) . إن أصحاب اليمين هم الذين التزموا طاعة الله تعالى وابتعدوا عن المعاصي والسيئات، وهؤلاء عند احتضارهم وموتهم فإن الملائكة الموكلة بقبض أرواحهم تأتيهم بصور تبعث على الراحة والسرور وتسلم عليهم وتبشّرهم بالجنة ما قد يخفف عملية نزع الروح، قوله تعالى: ( فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ ) يكشف عن ان عملية احتضار أصحاب اليمين تبدأ بزيارة الملائكة لهم ومحادثتهم لهم ما يخفف عن أصحاب اليمين رهبة الاحتضار والموت كما تحمل الملائكة لهم سلاماً من إخوانهم الذين سبقوهم ولا سيما من أصحاب اليمين، وهذا السلام يحمل عدة دلالات منها البشارة والتهنئة بالفوز بعد الموت حيث ينقلب المشهد بعد الموت من حالة حزن على فراق الدنيا وخوف إلى فرح وسرور، فهناك في عالم الدنيا تُقام مراسم العزاء بينما بعد الموت تقام مراسم التهنئة والتبريك لروح المؤمن الصالح.
من هذه الدلالات أيضاً أن أرواح المؤمنين الذين سبق موتهم تكون على علم مسبق بدنو أجل صاحبهم المؤمن الذي تأخر عنهم، وليس مستبعداً أن الملائكة الموكلين بقبض الأرواح تخبر موتى المؤمنين بانتقال قرب أجل المؤمن فيبعثون بالسلام إلى روحه معهم ما قد يخفف عنه ثقل الموت وثقل مفارقة الأهل والأصحاب، ويشعر هذا المؤمن الذي قبض روحه حديثاً بأن هناك أصحاباً جدداً له سيأنس بهم بعد موته قد يكونون ممن يعرفهم وقد لا يكونون.
الفئة الثالثة وهم المكذبون الضالون: وهم المنحرفون عن دين الله ممن كذبوا الأنبياء فإنه عند احتضارهم سيواجهون الشدائد والأهوال بعكس الفئتين الأولى والثانية. يقول الله تعالى: ( وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) ) . إن الموت للعصاة والمنحرفين عن طاعة الله تعالى يحمل معه كل الأهوال والآلام، والله تعالى توعّد الذين يكذّبون رسله وأنبياءه وأتباعهم بالعذاب الأليم، ولعلّ العذاب يبدأ منذ اللحظات الأولى لقبض أرواحهم، والحميم من معانيه الماء الحارق والرياح الحارة، والتصلية معناها الاحتراق والدخول في النار.ثم أخبر الله تعالى أن حديثه عن الفئات الثلاث وما تعاينه عند الاحتضار هو حق وواقع، وعليكم أن تستعدّوا أيها الأحياء لتحددوا مصيركم وقت الاحتضار من أي فئة تكونون حين لا ينفع الندم، قال تعالى: ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) ) .
فالحديث عن الروح والاحتضار والموت فيه عظة للنفس يجعلها أكثر قدرة على التبصر، ومعرفة دورها في هذه الحياة الدنيوية التي هي حياة خلقها الله تعالى من أجل الآخرة، فثقافة الحياة ما بعد الموت مدرسة في تهذيب النفس.
إمام مسجد السيد عبد الحسين شرف الدين – قده – مدينة صور
الشيخ حسين إسماعيل