الشيخ حسين إسماعيل : الإمام الحسين (ع) رمز التغيير في إقامة الأنظمة السياسية التي تخضع للمحاسبة والمراقبة

img_9907

    تحدث الله تعالى إلينا في القرآن الكريم قائلاً:  ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) [ النِّسَاء: 58].

إن صلاح المجتمعات يكمن بصلاح حكّامها

     يشير الله تعالى في هذه الآية الشريفة إلى عدة أمور، ولا بُدَّ للإنسان المؤمن والحريص على فهم دينه ومعرفة أحكامه من أن يقف عليها، وهي:

     الأمر الأول: وهو أن الله تعالى بلغنا في هذه الآية أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها، وهذا يعني أن الإنسان يحمل أمانات وليس أمانة، وأن هذه الأمانات لها أصحاب وأهل لا بُدَّ من أن تؤدى إليهم، ولا شكّ في أنه تجب المحافظة عليها من دون تفريط، كما يجب أن يكون الأداء لها في وقتها حينما يطلبها أهلها من دون نقيصة، وهذا أمر إِلَهِيٌّ وصيغة الأمر تفيد التحذير وضرورة الاحتياط، لأن الله تعالى سيحاسب الإنسان على أوامره ماذا فعل بها هذا الإنسان؟ هل أحسن أداءها أم ضيّعها وتهاون بها؟ وبذلك يستحق العقاب الأليم الذي لا يقوى الإنسان على تحمّله، ثم إنه ما هو المقصود بالأمانات التي أمرنا الله تعالى بحفظها؟

     الأمانات جمع أمانة والأمانة عبارة عن حق للآخرين جعلها الله تعالى في عهدة الإنسان وأوجب عليه الحفاظ عليها، ومن هنا نجد أنَّ مفهوم الأمانة واسع وشامل، يشمل كل الحقوق المادية والمعنوية، حتى إنَّ حياة الإنسان هي أمانة لديه والله تعالى سائله غداً عنها، ماذا فعل بها بكل ما تشمل عليه من علاقات خاصة به، أو علاقات مع الآخرين من أرحام وجيران وغيرهما، حتى علاقة الإنسان بالله تعالى فهناك حقوق لله تعالى عليه ماذا فعل بها؟

      الأمر الثاني: والذي أشارت إليه الآية بعد أمر الله تعالى بأداء الأمانات إلى أهلها، هو أنه تعالى أمر الناس جميعاً أن يحكموا بالعدل أي بالحق، وهناك علاقة بين الأمر الأول والأمر الثاني وهو أن الحكم بالعدل هو من أهم الأمانات التي أمر الله تعالى بأدائها إلى أهلها، وفي الحقيقة الأمر الثاني من الآية مُوَجَّهٌ بالدرجة الأولى إلى الحكام والسلاطين والرؤساء الذين بيدهم إدارة الحكم والسلطة بين العباد، والذين هم مسؤولون عن قيادة الناس والأمة، فهم مأمورون من قبل الله تعالى أن يحكموا بالعدل من خلال الأحكام التي شرعها الله تعالى.

   ولا يخفى أن صلاح المجتمعات يكمن بصلاح حكامها، كما أن فسادهم يتسبب بفسادها ثقافياً وسلوكياً واقتصادياً وقضائياً، وهو أمر لا يخفى على أحد لذا ركز الإسلام على أهمية الحكم من خلال وضع شروط حول تحديد هوية الحاكم وتحديد نوع الحكم، فلا بُدَّ من أن يتصف الحاكم بمؤهلات إقامة الحكم العادل الذي يصون المجتمع من الانحراف والوقوع في الظلم.

     الأمران الثالث والرابع: هو أنَّ الله تعالى وصف أمره لنا بأداء الأمانات وأن نحكم بالعدل بأنه نِعِمَّا الموعظة ( إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ )  أي أفضل المواعظ التي نحتاج إليها في بناء مجتمعاتنا، هي مواعظ الله تعالى فإنها كاملة لا نقص فيها ولا خلل، كما أشار تعالى إلى أنه يسمعنا ويبصر أعمالنا ونيّاتنا، فقال تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) وذكر تعالى لنا هذه الخاتمة من أجل أن ننتبه بأن الحكم هو لله تعالى، والله ائتمننا عليه وَسَيُطَالِبُنا بهذه الأمانة غداً.

 الحكم مسؤولية مشتركة بين الحاكم والناس

     ونلاحظ أن الخطاب في الآية المتقدمة أتى بصيغة الجمع، قال تعالى: ( وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) مع أن الحاكم هو من الناس، ويمكن أن يكون الحاكم الفعلي شخصاً واحداً وهذا الشخص لا يرجع إلى أحد، فكيف يصحّ الخطاب إلى عموم الناس مع أن الحاكم واحد، فالناس يجب وأن يعيشوا رقابة على أداء الحاكم فيقفوا إلى جانب عدله واستقامته، كما يجب عليهم أن يرفضوا أي ظلم منه أو انحراف، لأن سكوت المجتمع عن حكامه يدفع بهؤلاء الحكام إلى الانحراف والضلال، وينتهي بهم إلى أن يتسببوا بانحراف المجتمع بجميع أفراده، وهنا نتوقف عند سرّ خروج الإمام الحسين صلوات الله عليه على خلافة يزيد رافضاً لها، وهو n أوضح سبب رفضه في أكثر من مناسبة، إنَّ خروجه كان من أجل انحراف يزيد وفسقه وفجوره وظلمه، وعدم جدارته بحمل مسؤولية قيادة المجتمع نحو خط العدالة والحق والصلاح، وهذا الانحراف يَتَهَدَّد مصير الأمة.

    فقد خطب الإمام الحسين (ع) في أصحابه وأصحاب الحر في منطقة البيضة، وبعد الثناء والمديح لله، قال: «أيها الناس قال رسول الله (ص) : من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في عباده بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله» راجع تاريخ الطبري : ج 4، ص 394 .

     فالإسلام حرم على المفسدين والمنحرفين أن يصلوا إلى السلطة ومراكز القرار في المجتمع الإسلامي، والإمام الحسين (ع) ذكر الناس في عصره ان من سنة النبي (ص) أن يرفضوا البيعة للظالمين والمفسدين، وان سكوتهم عن ذلك يوردهم موارد الهلاك والانتقام الرباني، فأي إنسان يرضى بحاكم ظالم إلَّا كان شريكاً له في حكمه لذا خرج على يزيد ورفض بيعته.

 هناك من يحرم الخروج على الأنظمة الفاسدة

     وفي مقابل ذلك هناك من اعتبر أنَّ الخروج على الحاكم الظالم محرّم في الإسلام، وفيه مفسدة للأمة وأنه يجب عليها أن تنقاد لهذا الحاكم وتسمع له وتأتمر بأوامره، ومن هنا ذهب بعض الناس إلى اعتبار أن خروج الإمام الحسين على يزيد كان محرماً في الإسلام، وحاول هؤلاء أن يدعموا قولهم بجملة من الأحاديث والنظريات، ومن هذه الأحاديث هذا الحديث المروي عن جنادة بن أبي أمية فإنه قال: «دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض، فقلنا: أصلحك الله، حَدَّثنا بحديث ينفعك الله به سمعته من رسول الله (ص) ، قال: دعانا النبي (ص) فبايعنا، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره فينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلَّا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان»  وبعضهم استدلَّ من خلال هذه الرواية وأمثالها على حرمة الخروج على الحاكم الظالم إلَّا بشروط وهي:

أولاً: أن يرى المسلمون بأنفسهم فساد الحاكم.

ثانياً: إعلان كفره.

ثالثاً: أن يكون كفره بواحاً صريحاً لا تأويل فيه.

رابعاً: أن يكون للمسلمين قدرة على الخروج.

      وهناك حديث آخر يُشَدِّدُ على وجوب طاعة الحاكم حتى ولو كان جائراً، وهو قول النبي (ص) لحذيفة في الحديث الذي رواه مسلم: «يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنسٍ، قال (حذيفة): قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع» صحيح مسلم ، كتاب الإمارة ، ج 1 رقم 3544.

     والمتأمل في هذه الأحاديث التي ذكرناها وأمثالها يجد أنه أمام سلسلة من الأسئلة هل الظلم مسموح به حتى من الحاكم؟ وهل هناك ظلم يسمح به الإسلام ويُمكن أن يرتكبه الحاكم وظلم لا يسمح به؟ وهل الرسول بحسب الرواية الأولى المتقدمة والمنسوبة إليه يسمح للظالم بكل ظلم يرتكبه إلَّا الكفر؟ وهل نستطيع أن نقول إنَّ الحاكم مباح له أن يسرق أموال المسلمين؟ ويجوز له أن يشرب الخمر ويزني ويقيم العلاقات مع الأعداء ويمكنهم من البلاد والعباد؟ هذا ما لا يمكن أن نتصوره أن يصدر رخصة به من النبي! وهل إلى هذا القدر يكون المسلمون بسطاء حتى يسمعوا للحاكم المنحرف ويقدموا له الطاعة وبذلك يكون هو في أمان وسلام من السيطرة على أموالهم وبلادهم، والعجيب في الرواية الثانية أنَّ النبي  يفرض على أمّته أن تنقاد لحكامها حتى لو كانوا شياطين في صور بشرية، وحتى لو سرقوا الأموال وأكلوا الحقوق أيضاً، ونحن نسأل أليس في ذلك تمكين للمفسدين من بلاد المسلمين؟ وهل هذه الروايات إلَّا دعوة إلى عبودية الناس لحكامهم المنحرفين؟! إذاً شكّ في أنها موضوعة.

الأحاديث التي تحرم الخروج تتناقض مع صريح القرآن

    فهذه الأحاديث لا يمكن أن تصدر من الرسول الأكرم لأنها تناقض الفطرة التي تدعوه إلى رفض الظلم سواء أكان كفراً أم غيره، صغيراً كان الظلم أم كبيراً، والحاكم أمين على الأمة فإذا خان الأمانة تصبح الأمة في حِلٍّ منه، ثم إن هذه الأحاديث تتناقض مع صريح القرآن الذي يأمر المسلمين بأن يحكموا بالعدل، ويرفضوا الظلم فلننظر إلى هذه الآيات:

قال تعالى في سورة النحل: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ )  [ النّحل: 90].

وقال تعالى في سورة المائدة: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ) [ المَائدة: 49].

وقال تعالى في سورة النساء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ )  النِّسَاء: 135.

وقال تعالى في سورة المائدة: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )  [ المَائدة: 45].

وقال تعالى أيضاً في سورة المائدة: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [ المَائدة: 44].

وقال تعالى في سورة المائدة: ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [ المَائدة: 47].

وقال تعالى في سورة يوسف: ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ) [ يوسف: ٤٠].

    فالآيات المتقدمة تشير إلى أن الحكم في الإسلام هو حكم لله تعالى، والله تعالى أمر المسلمين بأن يحكموا بحكمه تعالى في كل القضايا الصغيرة والكبيرة، ولم يرخّص الله تعالى كما هو في الآيات لأحد بأن يحكم بغير حكمه سواء أكان سلطاناً أم حاكماً، بل إن الله تعالى هدد ووصف من يحكم بغير حكمه بأنه ظالم وكافر وفاسق ونحن نسأل أليس الحاكم الإسلامي حينما يحكم من المفترض أن يكون حكمه باسم الإسلام وطبقاً لما أنزله الله تعالى، ومقتضى ذلك أنه حينما يحكم حاكم بغير حكم الله تسقط حاكميته وينعزل، لأن الحاكمية هي لله تعالى والله تعالى لم يرخّص لأحد بما فيهم الأنبياء بأن يحكموا بحسب أهوائهم فكيف لغيرهم، لذا الحاكم باسم الإسلام حينما يظلم ويبقى في الحكم بدعوى أن بعض الأحاديث ترخّص له بذلك، نكون في الواقع قد حكمنا بأن الله تعالى هو من رخّص للحاكم بأن يظلم، وهل يصحّ ان ننسب ذلك إلى الله تعالى؟

     لذا نعتقد بأن هذه الأحاديث موضوعة وخصوصاً من قبل الأمويين، ليبرروا سلطانهم غير المشروع والقائم على الإرهاب والقتل والظلم وترويع الناس، وأما قول بعضهم لا يجوز الخروج على الحاكم الظالم لأنه في هذا الخروج مفسدة أكبر من عدمه، فهو كلام غير مستقيم لأنه يجب على الأمة أن تعبئ نفسها وتخطط للتغيير في النظام المنحرف، وتبدأ بالشكل التدرُّجي بالوقوف في وجه الحاكم الجائر حتى تجتمع إِرادة الأمة على ذلك وتكون متماسكة إلى أن يسقط الحاكم، ولا بُدَّ من تضحيات تقدم وعطاءات تبذل في هذا الميدان، وإلَّا فالأمة مسؤولة عن حكامها غداً أمام الله تعالى، ثم ماذا سيقول هؤلاء الفقهاء غداً للنبي حينما برروا للحكام الظلم باسمه، فسيسألهم صلوات الله عليه غداً ألم تتحققوا من صحة هذه الأحاديث؟ كيف أخذتم بها وهي تخالف صريح القرآن؟ ألم تكن هناك أحاديث صحيحة توافق الأصول برفض الحكومات الظالمة؟ نعم النبي لم يرخّص لظالم بأن يظلم باسمه، وهذه بعض الأحاديث الشريفة الدالة على ذلك:

  1. ففي رواية جعفر لما جاء من الحبشة قَالَ لَهُ النَّبِيُّ (ص): «مَا أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ بِالْحَبَشَةِ؟ قَالَ: رَأَيْتُ امْرَأَةً عَلَى رَأْسِهَا مِكْتَلٌ فِيهِ طَعَام، فجَاء فَارس فأذراه، فجلست تَجْمَعُهُ ثُمَّ الْتَفَتَتْ ثُمَّ قَالَتْ: وَيحك! كَيفَ لَوْ قَدْ وَضَعَ الْمَلِكُ كُرْسِيَّهُ فَأَخَذ لِلْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ؟ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: مَا قَدَّسَ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهَا الحقّ مِنْ شَدِيدِهَا غَيْرَ مُتَعْتَعٍ» هذا الحديث أخرجه ابن ماجة في سنننه، وأخرجه أيضا البيهقي من طريق آخر وأخرجه الحاكم في المستدرك.
  2. وفي مجمع الزوائد عن أبي موسى قال النبي (ص): «إن هذا الأمر في قريش ما {داموا} إذا استرحموا رحموا، وإذا حكموا عدلوا وإذا قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين،لا يقبل منه صرف ولا عدل» رقم الحديث 8983، قال صاحب مجمع الزوائد عن هذا الحديث رواه أحمد والبزار والطبراني ورجال أحمد.

     وهنا نأتي إلى قضية خروج الإمام الحسين (ع) على يزيد فإنه صلوات الله عليه التزم سنّة النبي في خروجه عليه وقد أوضح الإمام للمسلمين أنّه لا يصحّ أن يكون الخليفة إنساناً منحرفاً وفاسقاً ومرتكباً للمنكرات، كما هي حال يزيد ففساده سيصبح إفساداً للأمة، وأما عدم رفض الصحابة لبيعة يزيد ليس لأنهم يرون في يزيد كفاءة في الحكم، بل لأنهم يخشون إرهابه وظلمه لهم، لذا فالذين توقفوا عن نصرة الإمام الحسين فإنهم نصروا قاتله من حيث لا يدرون وشاركوه في الفساد والظلم الذي لحق بالأمة، وغداً سيحشرون مع يزيد.

ابن تيمية وتبرئة يزيد من قتل الإمام الحسين (ع)

      هل من الإسلام أن نجد من يبرّر شرعية يزيد؟ ويقيم الأدلّة على خطأ خروج الإمام الحسين (ع) ؟ ويزعم أن يزيد لم يأمر بقتل الإمام الحسين؟ وأن من قتله هو عبيد الله بن زياد وأهل العراق؟ فابن تيمية يبرّئ يزيد من قتل الإمام الحسين فإنه قال في كتابه منهاج السنة: «إن يزيد لم يأمر بقتل الحسين باتفاق أهل النقل ولكن كتب إلى ابن زياد أن يمنعه عن ولاية العراق والحسين رضي الله عنه كان يظن أن أهل العراق ينصرونه ويفون له بما كتبوا إليه فأرسل إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل فلما قتلوا مسلماً وغدروا به وبايعوا ابن زياد أراد الرجوع فأدركته السرية الظالمة فطلب أن يذهب إلى يزيد أو يذهب إلى الثغر أو يرجع إلى بلده فلم يمكنوه من شيء من ذلك حتى يستأسر لهم فامتنع فقاتلوه حتى قتل شهيداً مظلوماً رضي الله عنه ولما بلغ ذلك يزيد أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره ولم يسب له حريماً أصلاً بل أكرم أهل بيته وأجازهم حتى ردّهم إلى بلدهم ولو قدر أن يزيد قتل الحسين لم يكن ذنب ابنه ذنباً له فإن الله تعالى يقول ( وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) [الأنعام: 164] وقد اتفق الناس على أن معاوية رضي الله عنه وَصَّى يزيد برعاية حقّ الحسين وتعظيم قدره» منهاج السنة : دار الكتب العلمية، سنة 2009 ج2 ص 323- 324 .

     وكل كلام ابن تيمية المتقدم مناقض للحقائق الثابتة لأن يزيد هو من طلب من والي المدينة الوليد بن عتبة أن يأخذ له البيعة بالقوة من الإمام الحسين وأن يقتله إن أبى، ويزيد هو من أرسل إلى عبيد الله بن زياد أن يأتي إلى الكوفة ويتولى قتال الإمام الحسين، والإمام الحسين (ع) قام بتكليفه حينما ذهب إلى الكوفة، ولو لم يذهب إلى الكوفة فإنه لن يعطي البيعة ليزيد، ويزيد سيقصد الإمام الحسين لقتله أينما ذهب، والإمام الحسين يعلم بأن موقفه من يزيد هو موقف الشرع والقرآن، وأن موقفه هذا صلوات الله عليه سيشكل حجة على الأمة في حرمة البيعة ليزيد ولأمثاله، وأن مقتله سيحيي في الأمة روح الإِرادة والتضحية والشجاعة، لذا كان استشهاد الإمام الحسين (ع) سبباً قوياً في إسقاط النظام الأموي.

ابن خلدون وخروج الإمام الحسين(ع)

   وهذا المؤرخ ابن خلدون فإنه يقول في مقدمته مدافعاً عن الصحابة الذين لم يرضوا بالخروج على يزيد: «وأما غير الحسين من الصحابة الذين كانوا بالحجاز ومع يزيد بالشام والعراق ومن التابعين لهم، فرأوا أن الخروج على يزيد وإن كان فاسقاً لا يجوز لما ينشأ عنه من الهرج والدماء فأقصروا عن ذلك ولم يتابعوا الحسين، ولا أنكروا عليه، ولا أثموه، لأنه مجتهد وهو أسوة المجتهدين» مقدمة ابن خلدون : دار إحياء التراث العربي ، 2006 م، ج 1 ، ص 176.

    وكلام ابن خلدون يستبطن دفاعاً عن النظام الأموي الجائر، وإن خروج الإمام الحسين بنظره كان اجتهاداً منه، كما أن قبول الصحابة بالبيعة ليزيد كان اجتهاداً منهم، والكل مصيب في اجتهاده إلَّا أن الإمام الحسين أخطأ في خروجه، وفي الواقع حينما نقرأ مثل هذا الكلام ندرك سبب امتلاء بلاد المسلمين بالجور والفساد، وندرك كيف استطاع أعداء الأمة أن يهيمنوا على مصالحها واقتصادها فتصبح أمة ذليلة أمام الأُمم الأخرى.

    ومن هنا نعرف سرّ رفض كثير من الأنظمة إحياء ذكرى عاشوراء، لأنها تخشى ما تقدمه عاشوراء من ثقافة الرفض لبيعة الحكام المفسدين. وهناك قوى تسعى لتشويه صورة عاشوراء لأنها تحيي في الأمة روح التغيير في الأنظمة السياسية، وتدعو إلى محاسبتها ليكون ولاء هذه الأنظمة للشعب ولله وللعدالة لا للمصالح المشبوهة.

     وإذا درسنا أبعاد ثورة الإمام الحسين نعرف أهمية وجود أنظمة تخضع للمحاسبة والرقابة والإقالة عند أي تقصير، ولا يعني كلامنا هذا أنه دعوة إلى الفوضى بل إلى العمل على بناء نظام سياسي يكون محوره الأمة وحكم الله، ثم إن الإمام الحسين لم يكن ليخرج لو كان أحد غير يزيد تولى السلطة فيما لو التزم حكم الإسلام، وكان صاحب سيرة حسنة، وهذا لا يتنافى مع حاكمية الإمامة ما دامت مشرفة على مسار الأمة ودورها ولها كلمة الفصل في ذلك، ونختم كلامنا ببعض النظريات لبعض العلماء الذين تبنوا نهج الرضوخ للحكم الجائر فأحدهم في العصر الحاضر يقول: «إن بيعة يزيد شرعية وعلى الذي يخرج على حكمه مأثوم حرام والحسين بن علي رضي الله عنه خرج على يزيد …» ثم يقول: «إن الحسين غير مصيب لأنه عارض يزيد» ويقول أيضاً: «من الواجب على الحسين بيعة يزيد لكن الحسين غَرَّرَ به ولم يبايع يزيد» نقول لهؤلاء اتقوا الله فإن الله سائلكم غداً فالتاريخ مليء بالشواهد على كفر يزيد وفسقه ونرجعهم إلى ما قاله الألوسي عن يزيد في تفسيره روح المعاني  عند تفسيره لقوله تعالى: ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ) [ محَمَّد: 22] ، قال الألوسي: (واستدلّ بها (بهذه الآية) أيضاً على جواز لعن يزيد عليه من الله تعالى ما يستحق (و)نقل البرزنجي في الإشاعة والهيثمي في الصواعق أن الإمام أحمد (بن حنبل) لما سأله ولده عبد الله عن لعن يزيد (هل يجوز) قال (أحمد بن حنبل): كيف لا يلعن من لعنه الله تعالى في كتابه، فقال عبد الله قد قرأت كتاب الله عز وجل فلم أجد فيه لعن يزيد فقال الإمام (أحمد) إن الله تعالى يقول: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) ) [ محَمَّد: 22-23] ، وأي فساد وقطيعة أشد مما فعله يزيد) إشارة إلى قتل يزيد للإمام الحسين مع وجود الرحمية بينهما وعليه فيزيد هو رمز الأنظمة الجائرة والظالمة والإمام الحسين رمز التغيير وإقامة الأنظمة التي تخضع للمحاسبة والمراقبة.

إمام مسجد السيد عبد الحسين شرف الدين – قده – مدينة صور

الشيخ حسين إسماعيل