الشيخ حسين إسماعيل : علينا أن نذوب في الإسلام الذي قامت عاشوراء من أجله

قال الله تعالى في القرآن الكريم في سورة الأحزاب الشريفة: ( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ) [ الأحزَاب: 39]. تتحدث هذه الآية الشريفة عن جملة من الموضوعات التي تتعلق بالأنبياء والأوصياء الذين يقودون عملية التبليغ للرسالات السماوية، والوقوف على هذه الموضوعات أمر ضروري للمؤمنين، حتى يزدادوا وعياً بما يعانيه المبلغون وما يقدمونه من تضحيات حتى تصل رسالة الله إليهم، فيقف هؤلاء المؤمنون إلى جانب المبلغين ويعملون على نصرتهم لأن ذلك نصرة لرسالة الإسلام وهي مسؤولية مشتركة.
المبلغون لرسالات الله تعالى هم أساس ارتباط الناس بالإسلام
ومضمون الآية يشير إلى أن هؤلاء المبلغين يتعرضون إلى جملة من المصاعب والتحديات والمخاطر، والآية لا تخصّ الأنبياء والأوصياء وحدَهم، بل تشمل غيرهم أيضاً من العلماء والمؤمنين الذين يعملون على نشر تعاليم الإسلام بين الناس، فإنهم أيضاً يتعرضون إلى الأذى والإساءات في مجتمعهم، وخصوصاً من الذين يجدون في الإسلام خطراً على مصالحهم.
ثم إن المبلّغين لرسالات الله تعالى هم أساس ارتباط الناس بالإسلام وبتعاليمه وقيمه، ولو انقطع هذا التبليغ، فإنه سيؤدي إلى ابتعاد الناس وانحرافهم عن دين الله إلى غيره من المعتقدات التي لا تخدم إلَّا خط الضلال في الأرض.
والإسلام يحارب المفسدين والمنحرفين، ويعمل على دعوتهم إلى التغيير، كما يعمل الإسلام على تنوير الناس وفصلهم عن المنحرفين، لذلك يشكل هؤلاء المفسدون في الأرض، ولا سيّما فيما لو كانوا في مواقع السلطة والنفوذ، جبهة لمحاربة المبلغين لرسالات الله، كما هي حال كل الأنظمة في العصور كافة.
والله تعالى في الآية المتقدمة يدعو سائر المبلغين لرسالاته في كل الأزمنة إلى عدم الخشية على مصير الرسالة من الجهات المنحرفة والفاسدة، والاستمرار بتبليغها ومواصلة الطريق والسبيل الذي كلفهم الله تعالى به وهو سيكفيهم أمر الأعداء، وينصرهم في نهاية الأمر حتى لو أدّى ذلك إلى استشهادهم، فإنه تعالى سيجازيهم أفضل الجزاء على تضحياتهم.
كما يدعو تعالى المبلغين إلى ألَّا يخشوا أساليب المفسدين والطغاة التي يلجأون إليها لمحاربتهم سواء في الإعلام بالاتهام الكاذب لهم والتحريض عليهم أو العمل على محاصرتهم بكل ما يستطيعون.
والأنبياء من قبل عانوا في إيصال الرسالة إلى الناس، فقد اتهمهم المفسدون والطغاة بالتآمر على مصالح الناس، واتهموهم أيضاً بالسحر والكذب وغير ذلك، حتى ورد عن الرسول الأكرم محمد (ص) أنه قال: «ما أوذي نبي مثل ما أوذيت» بحار الأنوار : ج 65 ، ص 39، فقد تعرض صلوات الله عليه من قبل قريش لكل أنواع الأذى، حتى وصل الأمر إلى التخطيط لقتله، ولكن الرسول (ص) لم يخش أحداً في الله تعالى، بل كان يخشى الله تعالى وحده فقط وهذا ما أعطاه قوة وإِرادة صلبة على مواصلة مسيرته.
نعم الخشية من الله تعالى تعطي قوة ورهبة وهيبة لصاحبها ويخشاها أعداء الله وأعداء الدين، ونستطيع من خلال المعنى العام للآية الشريفة مورد الحديث أن ننتقل إلى معاناة أئمة أهل البيت بعد رحيل النبي صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وخاصة من قبل الأمويين والعباسيين فإنهم تعرضوا من قبلهم للتهديد والسجن والقتل ومنع الناس من التواصل معهم، ولم تكن محاربة الطغاة لأئمة أهل البيت من موقع أن الأئمة كانوا يطالبون بحقهم في الإمامة، بل من موقع أن الأئمة كانوا يبلغون الإسلام على حقيقته للناس ويدعونهم إلى رفض السير في خط الانحراف.
كتب التاريخ مليئة بالشواهد على فسق يزيد وانحرافه
الإمام الحسين (ع) من أئمة أهل البيت وحينما رفض البيعة ليزيد رفضها لأن يزيد رجل فاسق وفاجر لا يليق بالخلافة، ولا يمكن له أن يحكم المسلمين بحكم الله وهو لا يلتزمه في نفسه، لذا قال الإمام الحسين لوالي المدينة لما طلب منه البيعة ليزيد: «نحن أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ويزيد فاسق شارب الخمر وقاتل النفس ومثلى لا يبايع مثله» مثير الأحزان، لابن نما : ص 14.
وكتب التاريخ مليئة بالشواهد على فسق يزيد وانحرافه. فقد روى المؤرخون عن عبد الله بن حنظلة وهو من أهل المدينة، انه أخبر عن سبب خروج أهل المدينة على يزيد ورفضهم لبيعته قائلاً: «والله ما خرجنا على يزيد، حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، أنّه رجل ينكح امّهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة» الكامل : ج 3 ، ص 310 ، وتاريخ الخلفاء : ص 165.
وقال المؤرخ المسعودي مشيراً إلى فساد يزيد وانحرافه: «ولمّا شمل الناس جور يزيد وعماله وعمّهم ظلمه وما ظهر من فسقه ومن قتله ابن بنت رسول الله وأنصاره وما أظهر من شرب الخمر، سيره سيرة فرعون، بل كان فرعون أعدل منه في رعيّته، وأنصف منه لخاصّته وعامّته. أخرج أهل المدينة عامله عليهم، وهو عثمان بن محمّد بن أبي سفيان» مروج الذهب : ج 3 ، ص 82 .
كما أفتى الفقهاء والعلماء بفسق يزيد وجواز لعنه. وهذه أقوال بعضهم، قال اليافعي: «وأمّا حكم من قتل الحسين، أو أمر بقتله، ممّن استحلّ ذلك فهو كافر» شذرات من ذهب ، ابن العما الحنبلي : ج1 ، ص 68. وقال ابن كثير: «إن يزيد كان إماماً فاسقاً…» البداية : ج 8 ، ص 223 .
وقال العلامة التفتازاني في (شرح العقائد النَّسَفِيَّة): « والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين، واستبشاره بذلك، وإهانته أهل بيت الرسول ممّا تواتر معناه، لعنة الله عليه، وعلى أنصاره وأعوانه» شذرات الذهب : ج 1 ، ص 68 .
وحينما خرج الإمام الحسين على نظام يزيد لم يخش بطشه وقوته، لأنه لو سكت لاعتبر سكوته إقراراً ورضاً بحكم يزيد الذي يقوم على الفساد والفسق. والإمام الحسين هو أحق من يقوم بالتغيير لكونه وصي النبي ومبلّغ لرسالته بحكم إمامته وقيادته.
لم يخرج الإمام الحسين (ع) من أجل السلطة
لم يكن خروج الإمام الحسين (ع) على النظام الأموي خروجاً شخصياً ومن أجل المنافسة على السلطة والزعامة، بل من أجل المحافظة على الإسلام، وكان الإمام الحسين صلوات الله عليه قد أعد أصحابه وأهل بيته لمواجهة الموقف الصعب الذي يحتاج إلى التضحية والاستشهاد في سبيل إعزاز الدين ونصرة قيم العدالة. فقد جاء في كتب التاريخ أن الإمام لما وصل إلى ذي حسم خطب في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها، واستمرت جداً ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل، ألا ترون أن الحق لا يعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلَّا سعادة، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما».
فقام زهير بن القين البجلي فقال لأصحابه: تتكلمون، أم أتكلم؟ قالوا: لا، بل تكلم فحمد الله فأثنى عليه ثم قال: «قد سمعنا هداك الله يابن رسول الله مقالتك، والله! لو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين إلَّا أن فراقها في نصرك ومواساتك، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها». قال: « فدعا له الحسين » تاريخ الطبري ج 3 ، ص 302.
علي الأكبر وموقف الإباء والتضحية
ونأتي إلى موقف سجله لنا التاريخ صدر من ابن الإمام الحسين وهو علي الأكبر، حين أعلن عدم خوفه من القتل في سبيل الدفاع عن الرسالة. فقد روي أنه لما وصل الإمام الحسين إلى الثعلبية، وضع رأسه فرقد ثم استيقظ فقال:
«قد رأيت هاتفاً يقول: أنتم تسرعون، والمنايا تسرع بكم، إلى الجنة».
فقال له ابنه علي: «يا أباه أفلسنا على الحق».
فقال: «بلى يا بني، والله الذي إليه مرجع العباد».
فقال: «يا أبه إذن لا نبالي بالموت».
فقال الحسين (ع) : «جزاك الله يا بني خير ما جزى ولداً عن والده» اللهوف : ص 30 .
إن شهادة الإمام الحسين كانت من أجل الإسلام، فعلينا أن نتخذ من عاشوراء طريقا إلى فهم الإسلام ودراسة القيم والمبادئ التي جسدها الإمام الحسين (ع) مع أهل بيته وأصحابه على أرض الطف من الإباء والوفاء والتضحية والجهاد في سبيل إعلاء كلمة الحق ونصرة دين الإسلام. فحب الحسين والفناء فيه أو في غيره من أهل البيت مشروط بأن نعمل بعمل أهل البيت ، فأهل البيت لم ينالوا الدرجات الرفيعة عند الله تعالى إلَّا بسبب تضحياتهم الكبيرة. والإمام الحسين (ع) لولا تضحياته في سبيل الإسلام لما وصل إلى ما وصل إليه من المقام الأسمى عند الله تعالى.فعلينا أن نذوب في الإسلام الذي قامت عاشوراء من أجله فتكون عاشوراء وشعائرها الحسينية رائدة بالأهداف الإسلامية القيّمة.
إمام مسجد السيد عبد الحسين شرف الدين – قده- مدينة صور
الشيخ حسين إسماعيل